فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (54):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
الرب: السيد والمالك والمربي. الآله: هو المعبود بحق. والله: اسم الخالق الخلق اجمعين. السماوات والارض: هذا الكون وجميع ما فيه. اليوم: هو هنا غير أيامنا التي نحسب بها العرش: سرير الملك وكرسيه في مجلس الحكم والتدبير استوى على العرش: استولى عليه وملكه غشّى الشيُّ: غطاه وستره. وأَغشاه اياه جعله يغطيه ويستره حثيثا: سرعيا مسخَّرات: مذلللات خاضعات لتصرفه، منقادات ملشيئته الخلق: الايجاد بقدر تبارك الله: تعاظمت بركاته: والبركة هي الخير الكثير الثابت.
في الآيات السابقة كان القول في أمر المَعادِ والفئات من الناس في ذلك اليوم، وما يدور من حوار بين لتك الفئات. وهنا، يذكر الخَلق والتكوينَ وبيان قدرته تعالى وعظيم مصنوعاته.
إن ربّكم الذي يدعوكم بواسطة رسُله إلى الحق هو خالقُ الكون ومبدعه: خلق السماوات والأرض في ستة أيام. وهي غير أيامنا المعروفة لأن الإنسان عندما يخرج من جو الأرض ينعدم لديه الزمان المعروف عندما ويصبح غير محدود، كما قال تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} هذا مع انه جل جلاله قارد على أن يخلق الكون في لحظة واحدو، ولكنه يقرّب إلى أفهامنا الأمور على قدر مانستطيع فهمها.
{ثُمَّ استوى عَلَى العرش...} ثم استولى على السلطان الكامل.
وهو الذي يجعل الليلَ يستر النهارَ بظلامه، ويعقِّب الليلَ النهارَ سريعاً بانتظام كأنه يطلبه كذلك خلقَ الشمسَ والقمر والنجوم، وهي خاضعة له مسيِّراتٌ بأمره. إن له وحده الخلقَ والأمَر المطاع {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين}.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة ثلاثة معان:
اولها: أن السماواتِ والأرضَ خلقهما الله تعالى في ستة أيام، لكنها ليست بقدر ما نراه الآن ونعيش فيه، ونعدّه في الحساب، بل المراد يتغر أحوالٍ بين ظَلام وغَبَش، وإصباح وضُحى، وظهيره وأصيل.
والأحوال الستةُ التي اعتُبرت أياماً كما يذكرها العلماء المختصّون، هي: حال الأثير، وهي التي عَبَّر عنها في سورة الدخان بأنها دخان. ثم كان من هذا الأثير شموسٌ لا حصر لها، منها شمسُنا ثم الأرض والكواكب وهذا النظام الذي نعيش فيه، وهو ذرّةٌ في هذا الكون الواسع.
ثانيها: أن كلّ ما في الكون هو في سلطان الله وحده، ولا سلطان لأحد سواه ومهما يُؤْتَ الإنسان من قوةٍ فلن يستطيع تسيير الكون على ما يريد، وأقصى ما يستطيعه أن ينتفع به، ويعرف بضع ما فيه من أسرار.
ثالثها: أن تعاقب الليل والنهار جاءَ بعد خلْقِ الأرض والسماوات، في احوال نسبية بالنسبة لأصل تكوين الأرض والعلاقات بينهما وحركاتهما.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عصام: {يُغَشّى}، بالتشديد وقرأ نافع وبان كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص {يُغْشي} بضم الياء وسكون الغين.

.تفسير الآيات (55- 56):

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
تضرعا: تذلّلا، ويقال تضرع له، إذا اظهر الذل في مَعِرض السؤال. خفية: سرا ضد العلانية. لا يجب المعتدي: المتجاوزين الحدود، ومعنى لا يحبُّهم أنه لا يجازيهم بالثواب.
بد ان ذكر سبحانه وتعالى الأدلة على توحيد الربوبية، امر بتوحيد الألوهية أي إفراده تعالى بالعبادة.
اذا كان الله قد أنشأ الكونَ وحده، فاعدوه متضرّعين مبتهِلين، جهراً وغير جهر. والدعاء خفية أفضلُ، لما روى أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفَر فجعل الناس يجِدُّون بالتكبير فقال رسول الله: «أيها الناس، اربَعوا على أنفسِكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا. إنكم سَميعاً قريباً وهو معكم» رواه مسلم ومعنى اربَعوا على انفسكم: ارفقوا بأنفسكم.
وفي الحديث أيضا «خيرُ الذِكر الخَفِي، وخير الرزق ما يكفي» رواه احمد وابن حبان وأبو يعلى عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه.
وفصّل بعض العلماء فقال: إن التضرُّع بالجهر المعتدِل يحسُن في حال الخَلوة، والأمنِ من رؤية الناس للداعي وسماعهم لصوته. أما الدعاء خفيةً فيحسُن في حال اجتماع الناس في المساجد وغيرها إلى ما ورد في رفعُ الصوت من الجميع كالتلبيةِ في الحج وتكبير العيدين.
{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين}.
لا تعتدوا بإشراك غيره معه في الدعاء أو بظلم أحدٍ من الناس، فان الله لا يحب ذلك.
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}.
ولا تفسِدوا في الأرض بإشاعة المعاصي والعدوان، بعد أن أصلحها الله بما خلق فيها من المنافع وما هدى الناس اليه من الاستغلال.
والإفساد هنا شامل لإفساد العقول والعقائد والآداب الشخصية، والاجتماعية من جميع وجوهها.
وبد ان بيّن في الآية الأولى كيفيّةَ الدعاءِ أعاد الأمر به في الآية الثانية. وذلك إيذاناً بانَّ من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه، ولا يدعو ربه تضرّعاً وخفية- يكون أقربَ إلى الإفساد منه إلى الاصلاح فقال: {وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً} ادعوه سبحانه خائفين من عقابه، طامعين في ثوابه. ثم إنه بيّن فائدة الدعاء وعلّل سبب طلبه فقال: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين}، إن رحمته قريبة من كل محسِن، وهي أكيدةٌ محققة. والجزاء من جنس العلم، فمن أحسن في عبادته نال حُسن الثواب، ومن احسن في الدعاء نال خيراً مما طلب وقريب (فعيل) يوصف بها المذكر والمؤنث.

.تفسير الآيات (57- 58):

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
الريح: الهواء إذا تحرك.
قال الراغب: كلُّ موضع ذكَر الله فيه إرسال الريح بلفظ الواحد كان للعذاب، وكل موضع ذكَر فيه الريحَ بلفظ الجمع كان للرحمة. واظن ان هذا في الغالب، لان الله تعالى يقول: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} وفي سورة يوسف: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} سورة [يوسف: 94].
بُشرا: مبشرة بين يدي رحمته: قدّام رحمته اقلّت: حملت. سحابا ثقالا: غيما مثقلا بالمياه البلد: يطلق على البلدة، وعلى الموضع لبلدٍ ميت: ارض لانبات فيها.
الثمرات: كل ما تحمله الأشجار من جميع الانواع النكد: العسِر: الشحيح: القلي النفع نصرّف الآيات: نبدل الاشياء من حال إلى حال.
إن الله سبحانه تعالى وحده هو الذي يُطلِق الرياح مبشَرة برحمته وهي هنا الأمطار التي تُنبت الزرعَ وتسقي الغرس) فتحمل هذه الرياحُ سحاباً محمَّلاً بالماء، يسوقه الله إلى بلد ميتٍ لا نبات فيه فينزل الماء، وبه يُنبت الله أنواعاً من كل الثمرات تدل على قدرة الله وعلمه ورحمته وفضله.
وبعد أن ذكَّرهم بهد الآيات والنعم قفّى على ذلك ما يزيل إنكارهم للبعث فقال: {كذلك نُخْرِجُ الموتى}.
بمثل ذلك الإحياء للأرضِ بالإنبات نُخرج الموتى فنجعلهم أحياء.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
أي تفطنون لهذا الشبه فيزول استبعادُكم للبعث، وبذلك تتذكّرون قدرة الله تؤمنون به.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {الرّيح} بالافراد. وقرأ ابن عامر: {نُشْراً} جمع نشور، وقرأ حمزة الكسائي: {نَشْراً} بفتح النون وقرأ عاصم كما هو بالمصحف {بُشْراً} وقرأ نافع: {نُشُراً} بضم النون والشين.
وبعد أن ضرب الله إحياءَ البلاد بالمطر مثلاً لبعث الموتى، ضربا لخلاف نتاج البلاد مَثَلاً لما في البشَر من اختلاف الاستعداد لكّلٍ من الهدى والكفر.
{والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والذي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً}.
أما الأرض الجيدة التربة فإن نباتها يخرج نامياً حياً بإذن ربه، ويكون كثير الغلّة طيب الثمرة. وأما الأرضُ الخبيثة فإنها لا تُخرج إلا نباتاً قليلاً عديم الفائدة.
{كذلك نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.
في مثل ذلك التصريف البديع نردّد الآياتِ الدالّةَ على القدرة الباهرة، ونكررها لقوم يشكرون نِعمنا، وبذا يستحقُّون المزيد منها.

.تفسير الآيات (59- 64):

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}
يوم عظيم: يوم القيامة. الملأ: أشارف القوم، وسَراتهم وكذلك الجماعة، وجمعُه أمْلاء. نصح: نصح له الوعدَ ونصح له المشورة، ونصحه: أرشده إلى ما فهي صلاحه. ذِكر من ربكم: موعضة من ربكم. على رجُل منكم: على لسان رجل منكم الفلك: السفينة عمين: جمع عمٍ، وهو الأعمى. وقال بعض العلماء إنه خاص بعمى القلب والبصيرة، فيما الأعمى هو أعمى البصر.
بعد أن ذكر الله تعالى الإنسان ومعادَه، وان مردَّه إليه يوم القيامة- جاء هنا يذكر قصص الأنبياء مع أُممهم، وكيف أعرضتْ عن دعوتهم. وذلك حتى يبيّن للرسول الكريم أن إعراضَ المشركين عن قبول الدعوة ليس أمراً جديدا، بل وفي هذا تسليةٌ له صلى الله عليه وسلم.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِه}.
أكّد الله تعالى مخاطِباً البشَر جميعا بأنه أرسلَ نوحاً إلى قومه الّذين بُعث فهم، وقال لهم مذكِّرا بأنه منهمك يا قومُ اعبُدوا الله تعالى وحدَه، فليس لكم أيُّ إلهٍ غيره تتوجّهون إليه فيعبادتكم إني أخاف عليكم عذابَ يومٍ شديدٍ هولهُ، وهو يوم الحساب والجزاء...

.قراءات:

قرأ الكسائي: {ما لكم من إله غيرِهِ} بكسر الراء والهاء. والباقون {غيرُهُ} بضم الراء والهاء.
{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
قال أهل الصدارة والزعامة منهم مجيبين تلك الدعوة إلى الوحدانية واليوم الآخر: يا نوح، إنا لَنراك في ضلالٍ بيّن عن الحقِ، كيف تنهانا عن عبادة آلهتنا من الاصنام؟
{قَالَ يا قوم لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين}.
قال نوح مجيبا لهم، ونافياً ما رموه به: لستُ ضالاً كما تزعمون، بل أنا رسولٌ لكنم من رب العالمين، أهدِيكم باتّباعي إلى ما يوصلكم إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وإني في هذه الدعوة إلى الوحدانية والايمان باليوم الآخر، أُبلِّغكم ما أرسلني به ربّي، وأَمحضُكم النُّصح. واعلموا أنني في هذا التبليغ وذلك النصح على علمٍ من الله أوحاهُ إليَّ لا تعلمون منه شيئا.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: {أُبِلغُكم} باسكان لاباء والباقون: {أبَلِّغكم} بفتح الباء وتشديد اللام المكسورة.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ...}.
أترمونَنِي بالضلالة والبُعد عن الحق، ثم تعجَبون من أن يأتيكم ذِكرٌ وموعظة من خالقكم، وعلى لسان رجل منكم جاء يحذّركم عاقبةَ كفركم، رجاء ان تكونوا في رحمة الله في الدنيا والآخرة.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ فِي الفلك...}.
لكنهم مع تلك البينات لم يؤمن اكثرهم، بل كذّبوه، وأصرّوا على كفرهم، فأنجيناهُ هو والّذي أخذّهم معه في الفُلك من الطوقان، واغرقنا من كذّبه. لقد عاندوا فكانوا بلك قوماً عُمي القلوب والبصيرة. وقد ذُكرت قصة نوح مفصلة في سورة هود.
روى مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدينُ النصيحة، قلنا لِمَن يا رسولَ الله؟ قال: لِلّه ولرسوله ولأئمةِ المسلمين، وعامّتِهم».

.تفسير الآيات (65- 72):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}
أخاهم: تعني هنا أُخوة الجنس: السفاهة: خفة العقل. بسطة: سعة قوة. آلاء الله: نِعمة احدها أَلا وإلى. رجس: عذاب الغضب: الانتقام. المجادلة: الممارة والمخاصمة السلطان: الحجة والدليل الدابر: الآخِر، يعني أهلكناهم جميعا.
تعرض هذه الآيات قصة هودٍ مع قومه، قومٍ عاد، فقد كانوا عباد أوثانٍ، منازلُهم في الأحقاف- وهو الرمل- بين عُمان وحضرموت. وقد رزقهم الله القوة والغنى، فلمّا جاءهم هودٌ بالرسالة من عند ربه ليوحّده، ويكفّوا عن الإفساد في الأرض، أبوا ذلك، وكذّبوه، وأصروا على عبادة اصنامهم.
ولقد قال لهم: يا قوم، اعبُدوا الله وحده، ليس لكم إله غيره، {افلا تتَّقون} أي تخسون الله، علّه ينجيكم من الشَّرِ والعذاب.
{قَالَ الملأ الذين كَفَرُوا}.
فأجاب ذَوُو الزعامة والصدراة من قومه: انا لَنراك في خِفّة م العقل، وضلالٍ عن الحق، كيف لا وقد تركتَ ديننا، ودعوتَنا هذه الدعوة الغريبة!! إنا لَنعتقدُ أنك من الكاذبين.
قال: يا قوم، ليس بي في الدعوة أيُّ قدرس من السفاهة ولست بكاذبٍ، بل أنا رسول اليكم من ربّ العالمين، جئتكم بالهداية التي تخلًّصكم.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
إنني أنقُل اليكم أوامر ربي ونواهيه، وامحضكم النصح الخالص ولست من الكاذبين.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ}.
هل أثار عجبكم واستغربتم ان يجيء إليكم تذكير بالحقّ من ربّكم على لسان رجلٍ مكم يخّوفكم عقابَ الله حتى تتركوا ما انتم عليه.
ثم اشار إلى ما أصاب المكذِّبين الذين سبقوهم، وإلى نعم عليهم فقال: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَسْطَةً...}.
اذكُروا فضلَ الله عليكم إذ جعلكم وارثِين للأرض من بعد قوم نوحٍ الذين أهلكهم لتكذيبهم نبيِّهم نوحاً، وزادكم قوةً في الأبدان والسلطان وكل هذه نِعم تقتضي الإيمان، فتذكّروا هذه النِعم، واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له وتَرْك الإشراك به.
لكنهم منع هذه الدعوة بالحسنى قالوا متسغربين: أجئتَنا لتدعُونَا إلى عبادة الله وحدَه، وأن نترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام؟
وقد ان استنكروا التوحيد تحدَّره وقالوا: ائتِنا بالعذابِ الّذي تهدُّونا به أن كنت صادقاً في قولك ووعيدك.
فأجابهم هود على تحدّيهم هذا: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ...}.
انكّم لعنادكم قد حقَّ عليكم عذابُ الله يَنزِل بكم، وغضبُه عليكم. تُجادلونني في أصنامٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم؟ ما جعل الله من حجّة تدلّ على ألوهّيتها، ولا لها قوةٌ خالقةٌ تجعلكم تبعدونها. وما دمتم كفرتم ولَجَجْتم هذه اللجاجة فانتظِروا نزول العذاب الذي طلبتموه، ونحن ننتظر معكم.
فلما جاء أمرُنا ووقع العذابُ أنجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا، فيما استأصلْنا دابر الكافرين الذين جحوا بآياتنا، حتى لم نبقِ منهم أحداً.
وهكذا طُويت صفحةٌ أُخرى من صحائق المكذبين.